الشباب الحياة.. والحياة الشباب.
الشباب يا سادتي الواحة الفريدة في صحراء الحياة. هو الربيع في سنة العمر. هو البسمة الوامضة على ثغر الزمان القاطب. لست أعني الشباب الغض الحلو الناعم الذي يجرح خديه لمس النسيم، ويُدمي بنانه مس الحرير، والذي ترق عنده الحياة حتى تسيل من العيون نظرات ساحرة مغرية، وترق جلائل الأعمال فيها حتى يستحيل إلى فكره. تطير كالفراشة بين أزهار الجمال في روضة الحب أو نسمة معطره تهب من حواشي فتاة فتانة أو قبلة فيها خمر وعسل تجمعُ لذائذ الدنيا في رشفة مسكره.
لست أعني هذا الشباب الفاتن المتأنث الذي يعيش للهوى والأحلام، الذي يبدأ تاريخ حياته بالحاء فلا يلبث أن ينتهي بالباء.
إنما أعني الشباب الحي العاقل القوي المتدين، الذي وضع غاية في العيش أبعد من العيش، ألقى في سِفر حياته الراء بين الحاء والباء. في حرب دائمة ونضال مستمر.
الجراد يأكل البعوض والعصفور يفترس الجراد والحية تصطاد العصافير والقنفد يقتل الحية، والثعلب يأكل القنفد، والذئب يفترس الثعلب، والأسد يقتل الذئب، والإنسان يصطاد الأسد، والبعوض يميت الإنسان. هذه هي السلسلة الخالدة التي لا تبديل لها. لا تعدو إما أن تقتل الأسد وإما أن يقتلك البعوض. فيا شباب لا يغلبكم البعوض ولكن اغلبوا الأسود.
*مقاله لفضيلة الشيخ علي الطنطاوي -رحمه الله-.
* من بقايا دفاتر دراستي الثانوية بمادة التعبير