سورة سيدنا يوسف عليه السلام هي سورة مكية ترتيبها بين سور القرآن الكريم الثانية عشرة وعدد آياتها 111 آية وهي إحدى السور السبع الطوال في القرآن وتقع في الجزء الثالث عشر منه، وسميت بسورة يوسف لأتها تحكي قصة سيدنا يوسف عليه السلام هذا النبي الكريم وتعتبر من السور المميزة بشمولها قصة كاملة عن نبي من أنبياء الله في سورة مستقله ووصفها الله في كتابه بأنها أحسن القصص لتكامل عناصر القصة الحسنة فيها من تشويق واستخدام الرمز والترابط المنطقي وتسلسل الأحداث بحيث كأن من يقرأها يراها بالصوت والصورة هذا بالإضافة إلى الدروس والعبر الكثيرة التي يستقيدها القارئ منها.
سبب نزول سورة سيدنا يوسف :- اختلف المفسرون في سبب نزول السورة، وذهب البعض منهم إلى الآية التي قال الله فيها “لَّقَدۡ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخۡوَتِهِۦٓ ءَايَٰتٞ لِّلسَّآئِلِينَ”(الآية-7) واستدلوا على أن هناك سائلين تجيب هذه السورة على أسئلتهم وقيل أن جماعة من اليهود أرسلوا لكفار قريش ليختبروا رسول الله عليه الصلاة والسلام بسؤال عن نبي خرج من بلاد الشام لمصر وعن تفاصيل قصته، فأنزل الله عز وجل هذه السورة بالقصة كاملة.
وذهب البعض الآخر من المفسرين على أنها نزلت في عام الحزن لمواساة النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام في مرحلة الشدة والوحشة بسبب وفاة عمه أبو طالب وزوجته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها بمكة المكرمة.
أما بعض المفسرين ذهبوا إلى أن الصحابة رضوان الله عليهم قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام: لو قصصت علينا، فأنزل الله سورة سيدنا يوسف بأحسن القصص، هذا والله أعلى وأعلم بسبب تنزيلها.
نسب سيدنا يوسف عليه السلام :- هو يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عابر بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوح، وهو الابن الحادي عشر من أبناء يعقوب الاثني عشر وبكر والدته راحيل بنت لابان، وقد قال عنه نبينا محمد عليه الصلاة والصلاة ” الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ” (صحيح البخاري).
الدروس والعبر المستفادة من سورة سيدنا يوسف عليه السلام :- ومنها على سبيل الذكر لا الحصر:
1- حفظ وكتمان الأسرار :- وهي نصيحة سيدنا يعقوب عليه السلام لابنه يوسف بعدم إخبار رؤيته لأحد عشر كوكبا والشمس والقمر له ساجدين، وهي دليل على أن الكتمان يساعد في قضاء الحوائج.
2- ضرورة العدل بين الأبناء :- وذلك لإبعاد الغيرة والحسد من قلوبهم بسبب تفضيل أحد الأبناء عن غيرهم كما كان واضحا في تفضيل سيدنا يعقوب لابنه يوسف عليهما السلام وترتبت عليه عواقب القصة.
3- غيرة الأخوة وآثارها في التفكك الأسري :- وهي غيرة إخوة يوسف منه والتي تسببت في إلقائه في البئر ثم بيعه للقافلة بثمن بخس وبعده عن والده والآلام التي خلفها هذا البعد لنبي الله يعقوب وأخيه بنيامين طيلة فترة التفكك والفراق.
4- التبرير بالتوبة قبل فعل الذنب :- تعتبر توبة فاسدة، كما قال إخوة يوسف ” ٱقۡتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطۡرَحُوهُ أَرۡضٗا يَخۡلُ لَكُمۡ وَجۡهُ أَبِيكُمۡ وَتَكُونُواْ مِنۢ بَعۡدِهِۦ قَوۡمٗا صَٰلِحِينَ”(الآية-9)، وهي خطوة من الشيطان لارتكاب الذنب ثم التوبة بعده وهو ما حدث في القصة من توالي كذب إخوة يوسف والتضليل بعد فعلتهم مع أخيهم.
5- تعلم الصبر على البلاء :- ومنها صبر نبي الله يعقوب بعدما أخبره أبنائه بقصة الذئب مع سيدنا يوسف عندما خرج معهم للمرح واللعب في الصحراء، ثم قصة بنيامين (الشقيق الأصغر ليوسف) عندما ذهب مع إخوته لمصر ولم يعد معهم بسبب قصة السرقة التي دبرها له سيدنا يوسف عليه السلام للاحتفاظ به خوفا عليه منهم.
6- الإيمان بحكمة الله وأمره الغالب :- كان سيدنا يعقوب وسيدنا يوسف عليهما السلام يعلمان أن كل ما حدث كان له حكمة من الله عز وجل وغاية يريد الله إيصالها لهما وأن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون أي لا يعرفون حكمته في خلقه وتلطفه وفعله لما يريد.
7- الثبات على الدين رغم الفتن :- في عز الفتنة التي تعرض لها سيدنا يوسف من المرأة المتسلطة ونساء مصر إلا أن الله ثبته على الدين والصلاح وجعله صابرا عليها وكان عقابه السجن ولكنه لم يرضخ لهذه الفتن وفضل السجن عليها.
8- خطورة الخلوة بالنساء في مكان مغلق :- وهي الخلوة التي دبرتها له امرأة العزيز عندما أغلقت الأبواب وقالت هيت لك ورفض عرضها بسبب خوف الله والحقوق التي ذكرها مثل حق الله في عدم معصيته أولا ثم حق العزيز الذي أكرم مثواه.
9- لطف الله وعنايته بأوليائه وتمكينهم :- رغم بيع سيدنا يوسف للقافلة إلا أن عزيز مصر هو من اشتراه وأكرم مثواه، ورغم محاولة فتنة امرأة العزيز المغرية له، إلا أن الله حفظه من ذلك، ورغم سجنه لبضع سنين إلا أنه خرج ليكون عزيز مصر وذو شأن عظيم وأصبح مكين أمين عند الملك.
10- أهمية الدعاء في حياة المسلم :- الدعاء هو أساس العبادة ودليل قوة العلاقة بالخالق عز وجل وملازمة سيدنا يوسف عليه السلام للدعاء طيلة حياته وفي كل المحن ما هو إلا دليل على ذلك في حياة المسلم وأثره في الصبر والاحتساب وتجاوز الصعاب.
11- الدعوة إلى الله في أصعب الظروف :- وهو ما قام به سيدنا يوسف داخل السجن رغم المظلمة التي تعرض لها وتفويض أمره إلى الله ودعوته للسجناء وحثهم على عبادة الله ووحدانيته واللجوء إليه خاصة وأنه صاحب دعوة.
12- العين حق والحرص واجب :- وهو ما قاله الله على لسان سيدنا يعقوب “وَقَالَ يَٰبَنِيَّ لَا تَدۡخُلُواْ مِنۢ بَابٖ وَٰحِدٖ وَٱدۡخُلُواْ مِنۡ أَبۡوَٰبٖ مُّتَفَرِّقَةٖۖ وَمَآ أُغۡنِي عَنكُم مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيۡءٍۖ” (الآية-67)، بالرغم من إيمانه بقضاء الله وقدره، لكنه أخذ بالأسباب لكف الأذى عن أبنائه وخوفه عليهم من الحسد.
13- ظهور الحق ولو بعد حين :- بثبوت براءة سيدنا يوسف عليه السلام من الفتنة والمكيدة التي دبرتها له امرأة العزيز وبعض نساء مصر في ذلك الوقت، وظهور مكيدة إخوته في إلقائه في البئر وبيعه للقافلة وثقته عليه السلام من تأييد الله له ومناصرته وهي قمة الإيمان والثقة بالله.
14- دوام الحال من الحال :- وثبت ذلك في هذه القصة العظيمة في كثرة التنقلات من حال إلى حال ومن الذل إلى قمة العز ومن التهم والتلفيق إلى البراءة والتمكين ومن الفرقة والشتات إلى الجمعة والالتفاف ومن الألم والحزن إلى السعادة والفرح.
15- حق الله في اصطفاء من يشاء :- وهو حق مطلق له وحده يجتبي ويصطفي من عباده ما يشاء من الأنبياء والأولياء والصالحين ويدبر في الملكوت الأعلى ما يشاء، وهو الذي حدث باختيار سيدنا يوسف للدعوة في مصر.16-
من ترك شيء لوجه الله بدله الله خيرا منه :- ترك سيدنا يوسف عليه السلام معصية الله في الفتنة التي تعرض لها وإيثاره لطاعة الله ودخول السجن ورميه بالسوء على أن يرتكب الفواحش جعل منه بفضل الله عزيز مصر ومكين أمين في عرش مصر.
17- الرؤيا فتوى إذا فسرت وقعت :- لقد بدأت هذه السورة برؤيا وأنتهت بتحقيق هذه الرؤيا، ورؤية السجن التي قال عنها سيدنا يوسف: “قُضِيَ ٱلۡأَمۡرُ ٱلَّذِي فِيهِ تَسۡتَفۡتِيَانِ”(الآية-41) وتحققت، ورؤيا الملك التي هي ليست كرؤيا الرعية من حيث أنها تتعلق بالدولة ورعاياها وجميعها تم تفسيرها ووقعت بالفعل.
ختامًا ما نريد الوصول له هو أن هذه السورة الكريمة تعلمنا نحن المسلمين إمكانية تغلبنا على الغيرة والحقد والكراهية والفتن والمكائد بالاستعانة والاعتصام بالله وحده والصبر والتحمل وعدم الاستعجال لمعرفة حكمة الله عز وجل في تدبيره في الأمور، وتساعدنا في مواجهة الشهوات ومغريات الدنيا الفانية التي قد تضعف الإنسان وتوقعه في المعاصي وأن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.